الإستثمار والمفهوم التقليدي

محمد فهد الشوابكة

محمد فهد الشوابكة


كتب.. محمد فهد الشوابكه


جَذْبُ الإستثمار، هذا المصطلح الذي يتردّد في المًحافلٍ الاقتصادية الكُبرى، والشّعارُ الذي يتغنّى به السّياسيين والقائمين على القطاعِ العام في الدّول ما زال مِحور اقتصاديات العالم أجمع، فأصبح هنالك تحوّل شبه تام في القوانين والتشريعات المتعلقة بالإستثمار لتكون أكثر ملائمة مع المستثمرين من داخل وخارج الدول، فبإطلالة بسيطة على قوانين الإستثمار في العالم تجدها نسخة متشابهة بنسبة كبيرة ومنقولة من تجارب الآخرين مع إجراء بعض التحسينات عليها، وعلى الرغم من ذلك تجد أن هنالك دول يتهافت عليها المستثمرين وأخرى يحجمون عنها؛ والسؤال الذي يجب طرحه هل قوانين الإستثمار لوحدها كافية لجذب المستثمرين؟ أم هنالك عوامل أخرى؟ الجواب يكمن في أن الحوافز الإستثمارية التي تعطيها قانونين الإستثمار لم يكن لها أولوية عند المستثمرين، فالمستثمر ينظر إلى قضايا أٌخرى؛ وهذا يعني أن الحوافز الإستثمارية لم تكن مؤثرة كثيرًا في جلب الإستثمار، وموضوع الضريبة لم تعد من أولوياته، التي تعتبر أدوات تقليدية لم تشكل أي إهتمام لدى الباحثين عن الفرص الإستثمارية في العالم، فالمستثمر يريد بيئة آمنة لإستثماره، حتى يضمن مردود جيد، فالبيروقرطية عنصر قاتل للإستثمار ومعظم دول العالم الثالث تعاني من هذه الظاهرة، وتوفر نظام قضائي عادل، وسرعة التقاضي من العوامل المهمة المؤثرة على الإستثمار، وهذا يعني وجود مؤسسة قضائية محترمة مستقلة تحقق سرعة التقاضي، بالإضافة إلى أمر في غاية الأهمية والمتعلق بقضية تحويل الأموال، وذلك في الإجراءات المتبعة في بنوك البلد المستضيف للإستثمار، فالمستثمر يريد سهولة في تحويل الأموال، لكن لا بٌدّ من وجود بيئة تشريعية حاضنة، ونظام قضائي نزيه ومستقل، وقضايا أخرى، مثل وجود بُنية تحتية موائمة للإستثمار وعنصري الأمن والأمان، وهنالك أمر في غاية الأهمية وهو ثقافة مواطنوا البلاد المستيضفة للإستثمار ونظرتهم اتجاه المستثمر، هذه القضايا تهمّ المستثمر أكثر من كل النظريات التقليدية.
لقد أثبتت تجارب البلدان التي استقطبت إستثمارات كبيرة إن العوامل المشجعة للإستثمار تخطت المفاهيم التقليدية التي تتغنى بها معظم البلدان، لتذهب الى أمور قد يراها البعض غير مهمة، ولم تكن بالحسبان، وبالتالي زادت الفجوة بينه وبين الأخرين في مجال الإستثمار، فلذلك تجد إن الفاشلين بجذب الإستثمار كثيرًا ما يتغنون بتجارب الآخرين، وإذا بهم يروّجون لهذه الدول بطريقة غير مباشرة، وقد تكون أكثر فعالية لتلك الدول، وفي الحقيقة أن المستثمر هو نفسه يبحث عن الفرصة الإستثمارية المناسبة، والمكان المناسب.
وهنالك أمر آخر في غاية الأهمية ويعتبر المحور الرئيسي في الإستثمار ظهر منذ 10 سنوات وأعطى أهمية كبيرة من قبل الدول المستضيفة للإستثمار، وهو مسألة الابتكار وذلك لإيجاد إستثمارات نوعية جديدة تجعل هناك تميز في الدول المستضيفة للإستثمار، فالتسارع الذي يشهده العالم والثورة التكنولوجية تٌحتّم علينا خلق إستثمارات تتماشى مع التطورات الهائلة التي يشهدها العالم، ومبادرات حكومية حقيقية وفعالة تكسر حواجز الرّهبة لدى المستثمرين وخصوصًا في المشاريع المبتكرة.. “فالذي لا يتقدّم يتقادم” فالدول الصناعية الكبرى وبعض الدول في العالم استطاعت تجاوز هذا الأمر، وسخرت المؤسسات العلمية والبحثية لجذب الإستثمارات النوعية، وهذا ما تفتقده بعض الدّول على الرّغم من وجود عدد كبير من الجامعات، ولكن للأسف ما زال تأثير معاهد البحث العلمي والجامعات يخلو من الابتكار الذي لا زال محدودًا، في مجال البحث العلمي وبراعة الإختراع.
وبعد.. حتى نستيطع جذب الإستثمار يجب علينا العمل كفريقٍ واحدٍ، فمنذ أن يفكر المستثمر في الإستثمار حتى بعد خروج إستثماره من السوق، فالمسؤولية تقع على الجميع بدءًا من موظف السفارة الذي يمنح التأشيرة، ووصولًا الى المطار ومرورًا بسائق التكسي، وموظف الاستقبال في الدائرة الحكومية المَعنية بتقديم الخدمات له، وصولاً إلى المسؤول الحكومي المكلّف بخدمته.
الفرصة ما زالت قائمة، ولكم الخيار يا اصحاب القرار، فإما المضي قُدُمًا لتحقيق آمال وتطلعات بلدانكم، وإما الرّواح مكانكم دون تحقيق أي انجاز.