روسيا تتغذى على الحرب وزعزعة الاستقرار.. الانقسام الكبير الجديد وتداعياته على الشرق الأوسط

السفيرة الأوكرانية في الاردن ميروسلافا شيرباتيوك

السفيرة الأوكرانية في الاردن ميروسلافا شيرباتيوك

بقلم:السفيرة الأوكرانية في الاردن ميروسلافا شيرباتيوك

شنت القوات المسلحة الروسية في الخامسة صباحًا من يوم الخميس 24 فبراير بتوقيت كييف هجومًا شاملاً على أوكرانيا متعدد المحاور في انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة والالتزامات الثنائية والمتعددة للأطراف الأخرى، وتعتبر التكتيكات العسكرية التي تستخدمها روسيا وحشية للغاية؛ من النوع الذي رأيناه في سوريا والشيشان.
هذه المرة أخطأ فلاديمير بوتين في الحسابات بشكل كبير، القوات المسلحة الأوكرانية تخوض معركة ضارية ضد القوات المعادية التي تحمي وطننا ومواطني أوكرانيا، الا يعلم بوتين ان الأوكرانيون عنيدون واشاوس في القتال.. نحن نعرف بالضبط من نحارب، وستستمر المعركة من أجل أوكرانيا حتى آخر قطرة دم للمعتدي الروسي، وسيتم إيقاف العدو مهما كان الثمن، ان أوكرانيا تشارك وحلفاؤها، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الشريكة الأخرى والمنظمات الدولية بنشاط في تشكيل جبهة دولية موحدة فعالة، الجبهة المناهضة لروسيا.
ستظهر تداعيات المعركة الجارية في جميع أنحاء العالم، ولن يكون هناك مكان لانتظار الأزمة الحالية، لقد اختارت روسيا طريق الحرب على عكس عمل أوكرانيا الدؤوب مع شركائنا من أجل السلام خلال الأشهر الماضية.
لقد حصل بسبب هذا الغزو انقسام كبير في العالم؛ نعم إنها بداية عالم جديد، حيث لا أحد آمن.. لم تعد الحدود والسيادة مقدسة ومضمونة، وان النهاية الوحيدة للتصعيد الحالي هي مواجهة القيادة السياسية والعسكرية الروسية في محكمة العدل الدولية لتقديمهم لمحاكمة عادلة يستحقونها كمجرمي حرب.
لقد كشفت المرحلة النشطة المستمرة من الأزمة الروسية أن التصعيد الحالي في أوروبا ذو طبيعة جيوسياسية وعالمية في تداعيات، وان الأزمة ليست قضية ثنائية في الحوار بين أوكرانيا والاتحاد الروسي بل على العكس فانها تترك أحدا دون تأثير.
لكي ندرك جميعًا هنا في قلب الشرق الأوسط خطورة الوضع الحالي، نحتاج إلى تحديد العواقب الرئيسية التي يمكن أن تؤثر على بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بالنسبة لمعظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستؤدي الحرب الكبرى في أوروبا، التي تشنها روسيا الآن، إلى زيادة كبيرة في المخاطر الاجتماعية والسياسية والأمنية الناشئة عن الأزمة الروسية الحالية.
من الناحية الأمنية، فان اثار الأزمة الروسية سينعكس سلباً بشكل فعال على امن أن ا الشرق الأوسط وسترسل إشارة خطيرة للغاية لجميع القوى ان هناك قوى مزعزعة للاستقرار في المنطقة متمثلة في العدوان الروسي.
العلاقات بين النزاع في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر تعقيدًا مما قد تبدو للوهلة الأولى، ويعتبر حوض البحر الأسود من أهم مناطق العالم لصادرات الحبوب والصادرات الزراعية. يمر ما يقدر بنحو 12٪ من إجمالي تجارة الحبوب العالمية عبر مضيق البوسفور كل عام، وتتجه العديد من هذه الشحنات إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المجاورة.
تصدر أوكرانيا 95٪ من حبوبها عبر البحر الأسود، وصدرت أكثر من 50٪ من صادراتها من القمح إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020، ويذكر ان نصف واردات لبنان من القمح من اوكرانيا وكذلك 43٪ من واردات ليبيا، وتعتمد مصر التي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، بشكل كبير على الواردات من منطقة البحر الأسود، بالإضافة إلى ذلك، فان أوكرانيا هي المورد الرئيسي للذرة للسوق المصري، وما يقرب من خُمس سوق زيت عباد الشمس في الأردن هو إنتاج أوكراني.
فالصراع الممتد أو الحصار المفروض على البحر الأسود من شأنه أن يحد من تصدير المنتجات الزراعية المتاحة لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤدي إلى أزمة غذائية محتملة، وفي حال استمرار الازمة الحالية فانه يجب استبدال الإمدادات التي تاتي من أوكرانيا بأخرى من اآخر، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار الذي ينعكس بدوره على المستهلك.
ومنذ اندلاع الازمة الحالية فان الاسعار بالفعل ارتفعت لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات، حيث وصلت إلى مستويات مماثلة لتلك التي كانت موجودة خلال الربيع العربي.
قد تؤدي الحرب الشاملة بين روسيا وأوكرانيا إلى زيادة حادة في أسعار الطاقة والقمح العالمية، مما سيكون له تأثير مباشر على المستهلكين، وهذا الامر سينعكس بشكل مباشرعلى الدول التي تعاني اقتصادياً في المنطقة اكثر من غيرها وستجد نفسها أضعف وأكثر عرضة للضغوط الخارجية.
لكي نكون واضحين تمامًا، لا يتعلق الأمن الغذائي بالغذاء فقط.. فالتوريد المستدام للسلع الغذائية الرئيسية بأسعار معقولة في الوقت المناسب سيؤدي الى استقرار وأمن لمعظم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لقد مر الشرق الأوسط، لسوء الحظ، ببعض الأوقات باضطرابات كبيرة منذ عام 2010. لذا فان استقرار المنطقة هش للغاية في الوقت الحالي وآخر ما تحتاجه المنطقة اليوم هو أزمة كبيرة أثارتها روسيا في أوروبا مما أدى إلى شل قدرة أوكرانيا على البقاء كمزود للسلع الغذائية.
فالأمن الغذائي في الشرق الأوسط اصبح على المحك، ربما يكون لدى القيادة الروسية انطباع بأنها يمكن أن تستفيد من المزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في نهاية المطاف، يعتبر التغذي على عدم الاستقرار جزءًا من الثقافة الاستراتيجية الروسية.
الشرق الأوسط وأوروبا أقرب بكثير من بعضهما البعض من منظور أمني اكثر مما قد يعتقده المرء.. وإن الوقوف إلى جانب أوكرانيا اليوم يعني الدفاع عن أمنكم واستقراركم.